تمكّنت الحاجة “فراق ربعية”، البالغة من العمر 75 سنة، والتي تنحدر من مدينة أم البواقي، من رفع التحدّي ومواجهة كل الصعاب رغم تقدّمها في العمر وإصابتها بالمرض الخبيث، لتحقيق حلمها الذي راودها منذ الصغر لحفظ كتاب الله وختمه، وسط فرحة عارمة عاشها أفراد عائلتها وكل الأهل والجيران.
الحاجة “ربعية” أكدت بأنها لطالما حلمت، ومنذ صغر سنها، بحفظ كتاب الله، لكنها لم تتمكّن من ذلك بسبب عدم التحاقها بالمدرسة كباقي رفيقاتها، آنذاك، ومع مرور سنوات عمرها، كبلّتها الرابطة الزوجية التي أثمرت إنجابها لعشرة أبناء، تفرغت لتربيتهم تربية صالحة وبرعاية دينية مستقيمة، حتى بلغوا سنّ الرشد.
وبعد ذلك، عاود حلم حفظ القرآن الكريم ليحيا مجدّدا في نفس الحاجة “ربعية”، التي قررت رفع التحدّي ضد أميتها، وحصلت على الضوء الأخضر من زوجها الذي بارك مسعاها وساعدها في الالتحاق بمدارس محو الأمية، والانتساب إلى أفواج مدرسة تحفيظ القرآن الكريم التي يشرف عليها الأستاذ زايدي العابد، رئيس جمعية “البصائر” للثقافة والعلوم بأم البواقي، والذي شجع الحاجة “ربعية” على مواصلة الدراسة وتحقيق حلمها في حفظ القرآن الكريم.
وقد أولت الحاجة “ربعية” للدراسة وحفظ القرآن أهمية بالغة وخاصة بالاجتهاد والمواظبة الدائمة، بعدما تفرغت من مهمتها كأم في تربية أولادها، وقد تمكّنت، على مدار سنوات من الاجتهاد والمثابرة، من قطع كل المراحل التعليمية في الأطوار الثلاثة، من المرحلة الابتدائية إلى مرحلة الثانوي التي بلغتها في سن جد متقدمة، ولم يثنها مرضها وإصابتها بداء السرطان في التراجع عن هدفها وحلمها الذي طالما راودها منذ نعومة أظافرها لمواصلة حفظها لكتاب الله، واجتازت شهادة البكالوريا وهي على مشارف الـ75 سنة من عمرها.
وعن مسيرتها النموذجية في حفظ كتاب الله، تقول الحاجة “ربعية”، بأنها وبعد أن تمكّنت من حفظ 45 حزبا من كلام الله، بمدرسة تحفيظ القرآن بمدينة أم البواقي، أصيبت بالداء الخبيث، الذي لم يثنها عن مواصلة السعي لتحقيق مسعاها، رغم رحلات العلاج المضنية والمتعبة، وقد وجدت في تنقلها إلى إسبانيا للعلاج في أحد المستشفيات الإسبانية، والمكوث في بيت ابنها المغترب هناك لفترة طويلة، خلال رحلة علاجها وأخذ جرعات الكيماوي المتعبة، فرصة مناسبة فاستغلت أوقات فراغها رغم ما يخلّفه العلاج من متاعب وآلام، لإتمام حفظ ما تبقى لها من القرآن الكريم، لتختمه كاملا بحفظها الـ60 حزبا. وذكرت الحاجة “ربعية فراق”، بأن ما شجعها على ذلك هو تواصلها المستمر واستماعها لمعلمة القرأن عن طريق “المسنجر” إلى أن أتمت حفظه كاملا.
حلم الحاجة “ربعية” وشغفها بالدراسة لم يتوقف عند ختمها لحفظ كتاب الله، بل أنها وخلال رحلة علاجها، نجحت في تعلم اللغة الإسبانية نطقا ومحادثة، وأصبحت تتعامل بها بطلاقة مع الإسبانيين خلال جولاتها السياحية مع ابنها المغترب وفي المحلات والمتاجر الإسبانية.
الحاجة “ربعية” العائدة من رحلة علاج في إسبانيا، وبمجرد وصولها إلى مقر إقامتها بحي لاصاص القديم بمدينة أم البواقي، حظيت باستقبال كبير من طرف أبنائها وأفراد عائلتها وجيرانها الذين التفوا حولها وأقيمت الأفراح ودمعت عيون المستقبلين، الذين كانت من بينهم صديقاتها في أفواج حفظ القرآن الكريم، وأقامت جمعية “البصائر” للعلوم والثقافة حفلا تكريميا على شرفها حضره جمع غفير من حفظة كتاب الله والمدعوين والمدعوات من الأئمة والمشايخ والمرشدات الدينيات.
وأكد رئيس الجمعية لـ”الشروق اليومي”، بأن الحاجة “ربعية”، تملك إرادة فولاذية لا تتوفر لدى كل الناس بعدما تحدّت كل الظروف والصعوبات كأم وكمريضة مصابة بالمرض الخبيث الذي ابتليت به، ولم تقل يوما أنني مريضة أو تتمارض بعد حضور حصص الدراسة وبهذه الإرادة، تمكّنت من أن تبلغ مرحلة التعليم الثانوي وتجتاز البكالوريا وهي مريضة وفي أسوأ حال صحي، مضيفا بأنها من اللواتي أحبهن الله لختم حفظها للقرآن الكريم، وقد تم تكريمها تكريما يليق بهذا الحدث الديني المبارك.
وقد تميّز الحفل، الذي أقيم على شرف الحاجة “ربعية فراق” بمدينة أم البواقي، بأجواء من الفرحة، والتأمل في حالتها ومسيرة حياتها التي اعتبرها الكثيرون من الحضور بأنها جد مثيرة في تفاصيلها طيلة مسيرة لامراة أمية أنجبت عشرة أطفال عكفت على تربيتهم، لتتفرغ إلى تحقيق حلمها الذي اصطدم بمرضها الذي تجاوزته بفضل إرادتها القوية وحبها للحياة التي تعيشها في أسمى معانيها.